مع ذلك، لا يبدو الحلّ السياسي السلمي في المتناول، إذ إن طرفَي النزاع لا يزالان يصرّان على قدرتهما على حسم المعركة عسكريّاً. فمن جهة قادة الجيش، فإن التفاوض ليس وارداً طالما أن الحرب و«احتلال الدعم السريع» لمدن الخرطوم مستمرّان. وفي هذا الإطار، قال البرهان: «إذا رغب المتمرّدون في التفاوض، عليهم أولاً إخراج قواتهم من مدن الجنينة ونيالا والجزيرة وزالنجي والضعين، ومن منازل المواطنين، وتجميعهم خارج المدن في نقاط محدّدة». وعلى رغم إحراز الجيش تقدّماً ملحوظاً، خلال الأشهر الأربعة الأخيرة، في ولاية الخرطوم من الناحية الغربية، حيث مدينة أم درمان التي تسيطر قوات البرهان على أجزاء واسعة منها، يعتبر مراقبون أن طرفَي القتال لا يزالان غير قادرَين على تحقيق تفوّق على الأرض لإنهاء المعركة، وأن «توازن الضعف هو سيّد الموقف في الوقت الراهن». وفي هذا الإطار، يقول الخبير العسكري، اللواء المتقاعد أسامة محمد أحمد، إن الخطة العسكرية للجيش كانت واضحة في السيطرة على أم درمان وربط حاميات الجيش الموجودة هناك، موضحاً، في حديثه إلى «الأخبار»، أن «ما أحدث فرقاً في المعارك، هو سيطرة الجيش على جميع الجسور الرابطة بين مدينة أم درمان ومدن العاصمة الأخرى، وعدم وجود مشاكل لوجستية أو نقص في العتاد».
يعتبر مراقبون أن طرفَي القتال في السودان لا يزالان غير قادرَين على تحقيق تفوّق على الأرض لإنهاء المعركة
وينطبق «توازن الضعف» المشار إليه على الواقع الميداني، إذ يصعب تحديد الطرف المتفوّق على الأرض، بالنظر إلى مناطق سيطرة الطرفين. ففي ولاية الخرطوم، في الناحية الشمالية، حيث مدينة الخرطوم بحري، تقتضي الخطة العسكرية إغلاق المدينة من الناحية الجنوبية وقطع الإمداد البشري واللوجستي عن قوات «الدعم» المتواجدة شمالاً في مصفاة البترول، لفرض حصار على المصفاة، وهو الأمر الذي «تمّ بدقة عالية في منطقة الكدرو العسكرية التي يقع عليها عبء تنظيف جميع منطقة بحري، إلى أن تلتقي القوات الموجودة فيها بقوات الجيش في سلاح الإشارة جنوباً»، وفق محمد أحمد الذي يضيف أن «قوات الجيش في معسكر حطاب شرقاً، حقّقت انتشاراً شرقي الولاية، ومن المفترض أن تزحف لتنظيف منطقة شرق النيل شرقي مدينة الخرطوم». وفي مدينة الخرطوم، ثالث مدن العاصمة القومية حيث مقر قصر الرئاسة والقيادة العامة للجيش ومطار الخرطوم ومعظم المقار الحكومية، فإن العمليات النوعية عبر المُسيّرات هي السائدة، نظراً إلى وجود ثقل لـ«الدعم السريع» في جنوب الخرطوم، وتحديداً في مدن جبل أولياء والمجاهدين. وبحسب اللواء، فإن عدم وجود قوات مشاة للجيش في الخرطوم، باستثناء القوات الموجودة في القيادة العامة وسلاح المدرعات، حتّم استخدام المُسيّرات لضرب قوات «الدعم» المتمركزة جنوبي المدينة وحتى شارع الستين.
أما في ولايات السودان الأخرى، فسعت «الدعم السريع» إلى بسط سيطرتها على مساحات واسعة، ولا سيما غربي البلاد، حيث نجحت في فرض نفوذها على ولايات دارفور الثلاث (جنوب، شرق وغرب دارفور)، باستثناء شمالها. وهي لم تكتفِ بذلك، بل ظلّت تشنّ هجمات متكرّرة على ولايات كردفان، من دون أن تتمكّن من تحقيق أيّ مكاسب على الأرض، فيما استمات الجيش، في المقابل، في الدفاع عن حامياته في شمال كردفان في مدينة الأبيض، وغربها في مدينة بابنوسة. و«تراهن قوات الدعم على إسقاط الأبيض وبانونسة»، وفقاً لرأي اللواء محمد أحمد، الذي يلفت إلى أن «لانحياز القوات المشتركة (تتألف من الحركات المسلحة الموقّعة على اتفاق جوبا، ما عدا حركتي الهادي إدريس والطاهر حجر) إلى جانب الجيش، أثراً كبيراً في سير المعارك في مدينة الفاشر - حاضرة إقليم دارفور - وما حولها من مدن، حيث تمكّنت القوات المشتركة من إلحاق هزائم متوالية بقوات الدعم السريع». وعلى خط مواز، يعيب الخبير العسكري، البطء الذي لازم سير المعارك في ولاية الجزيرة وسط السودان، على رغم الإعلان عن البدء في العملية العسكرية للجيش فيها وزيارة كبار القادة إليها، معتبراً أن «الجيش يعمل بحذر كبير»، فيما «يجب عليه القيام بنوع من المغامرة في خوضه للمعارك في منطقة الجزيرة، من خلال إنزال مظلي أو هجوم مفاجئ».